إن الإحتراف أصبح هو الأمر الواقع في غالبية دول العالم ، ففرنسا فكرت بالفكرة و طبقتها بشكل سليم فكان لها أمم أوروبا 1988 و كأس العالم بعدها بعشر سنوات و مازالت في عطائها بحيث أصبحت كالمضخة التي تضخ اللاعبين و توجههم للإحتراف الخارجي خاصة في إنجلترا ، و هكذا طبقت البرازيل ليصبح المنتخب البرازيلي مكون من لاعبين جميعهم محترفين ، و الأمر مع أسبانيا و الأرجنتين و غيرها الكثير.
إلا أن الإحتراف في البلاد العربية قبل أن يكون إحتراف للدول الأوروبية يكون هناك إحتراف داخلي ، وبات الأمر في مصر صدمة بأن يترك أحد اللاعبين ناديه ليذهب إلى نادي أخر ، و هذا قد يكون سبب في تأخر نتائج المنتخبات الوطنية بكافة الأعمار في المراحل المقبلة حيث بات اللاعبين سواء شاركوا أو لم يشاركوا مع أنديتهم ملتزمين بالإستمرار مع النادي ، و من الصعب ترك لاعب إلا في حال "إنتهاء الصلاحية".
إن القضية التي تشغل الشارع المصري هذه الأيام هي قضية اللاعب حسني عبد ربه و التي وصل أمرها إلى الفيفا للحكم في النزاع بين الأهلي و الإسماعيلي لضم إبن الإسماعيلي من جديد للدراويش من نادي ستراسبورغ ، و عندما وقع النادي الأهلي مع اللاعب انهال الجميع باتهام الأهلي بسرقة لاعبي الدراويش و أن حسني سيظل وفي لبرازيل مصر حتى و إن تم إيقافه عن اللعب و إنتهاء مستقبله الكروي ، كل هذا لإنعدام معنى الإحتراف الداخلي لدى المشجعين و أصبح الكل يعتبر اللاعب حق لناديه الأصلي الذي تربى فيه و إلا سيكون الأمر "خيانة" ، و سيظل الصراع دائراً حتى ربما بعد قرار الفيفا فالكل له وجهة نظر في الموضوع يحاول أن تكون هي الحل و لذلك فلن يحدث حل موحد.
إن إنعدام معنى الإحتراف الداخلي يعقد من مهمة الإحتراف الأوروبي ، فكل دولة تمتلك لاعبين أكفاء تحاول دفعهم للإحتراف لكسب هذا اللاعب في صفوف منتخب بلاده و ليكون رمزا لهذه الدولة فيما بعد على الصعيد الكروي ، و بدأت منتخبات المغرب العربي في تنفيذ هذا الأمر و بنسبة نجاح عالية ، إلا أن القضية الرئيسية في مصر أصبحت أن بعض المحترفين لا يستحقون الإنضمام للمنتخب الوطني ، و هذا خير دليل على أن من يحترف يكون غير مرغوب فيه داخليا من أندية القمة (الأهلي و الزمالك و الإسماعيلي) ! ليتجه إلى الحل الأخير و هو الإحتراف ، إن أندية الأهلي و الزمالك و الإسماعيلي تضم لاعبين بوسعهم نيل بطولات كبيرة و اللعب لأندية عريقة و تمثيل المنتخب الوطني خير تمثيل في المحافل الدولية للمنتخب بفضل الخبرة التي اكتسبوها ، و لم يسر الكثير على هذا الدرب فقد نجح أحمد حسام ميدو مع عدة أندية و مازال حسام غالي يقدم الكثير و بات سوبر زيزو "محمد زيدان" نجماً في هامبورج و معشوق الجماهير بعد أيام قليلة من دخول النادي ، و لكن بإمكان الكثير من اللاعبين المصريين الحصول على هذه الفرص الكبرى حتى لو بدأوا في فرق متوسطة المستوى فميدو بدأ في الدوري البلجيكي و استمر لينتقل لفريق العاصمة الإيطالي و فريق توتنهام الإنجليزي ، لاعبين أمثال محمد شوقي و عماد متعب و شيكابالا و عمر جمال و حسني عبد ربه و عمرو زكي و محمد فضل إضافة إلى الكبير محمد أبو تريكة لا بد و أنهم سيبدعوا في حالة الإحتراف و قد يصلوا للعب في أندية عريقة ، و في حال الإحتراف لن يحدث ما يعتقده البعض بأن تتوقف الحياة في الدوري المصري بل أن الأندية المصرية ستستمر في بناء الأجيال القادرة على النهوض بالدوري المصري و الإحتراف أوروبيا فيما بعد ، فظهور لاعبين صغار السن أمثال شيكابالا و الويشي في ناديي القمة في مصر هو خير دليل على ظهور لاعبين أكفاء و سيظل ميلاد أمثالهم كثيرا فيما بعد.
كل ما يجب عمله أن ينظر الإتحاد المصري لقضية الإحتراف من موضوع أشمل و من نطاق أوسع و محاولة إنقاذ اللاعبين و دفعهم للإحتراف و مساندة الأندية و حينها سيتكون لاعبين بإستمرار قادرة على تحقيق الكثير للمنتخب المصري و الوصول لكأس العالم و ربما الوصول لمراحل متقدمة في البطولة في كل المستويات و المراحل العمرية.